Darwish is currently in prison in Syria, awaiting trial on charges of ‘publicising terrorist acts’ which PEN considers to be a violation of his right to freedom of expression and other human rights.
Mazen Darwish’s message was read in Arabic to the audience at an event at the British Library by Zaher Omareen. A translation into English was prepared by Alice Guthrie and read by Jo Glanville, director of English PEN.
لطالما تمنيّت أن أكون حاضراً في لندن ذات يوم، في هذه المدينة العظيمة علّه يتسنّى لي ملامسة روحها، وتقصّي آثار “جون لوك” و”شكسبير”، وهؤلاء الرجال الذين صاغوا وثيقة “الماغناكارتا Magna carta”. علّني أتعلّم منهم كيفيّة التقدّم نحو المدنيّة والحداثة بكل ثبات وعقلانية. لذلك لا أستطيع أن أعبر لكم عن اعتزازي بأن يحضر اسمي اليوم بينكم، وخصوصاً من خلال مؤسسة “القلم الدوليّة” التي أكنُّ لها الاحترام والتقدير، لكونها استطاعت أن تثبت خلال فترة قصيرة مصداقية عالية تجاه الالتزام بأهدافها وقيمها الحضارية. فكل الشكر والامنتنان لهذا التشريف الكبير بمنحي الجائزة الدولية للكاتب الشجاع لهذا العام.اسمحوا لي أن استغلّ وجود الكاتب الإشكالي “سلمان رشدي” بينكم اليوم لأقول له، أنّه وعلى الرغم من خلافاتنا العميقة إلاّ أننا ارتكبنا في عالمنا العربي خطيئة لا تُغتَفر يوم تعاملنا بعدم اكتراث تجاه دعوات وفتاوى طالبت بقتلك، إلى حد أنّنا ارتضينا التواطئ ولو بالصمت مع فكر الاقصاء والإلغاء، وكأنّ الأمر لا يعنينا. واليوم هانحن ندفع الثمن غالياً ودامياً لقاء ذلك، لنجد أنفسنا أكبر الضحايا لهذا الفكر الظلامي الذي تسلّل إلى بيوتنا ومُدننا، ويا للأسف لقد احتجنا إلى كل تلك الدماء لنؤمن أنّنا نحن من سيدفع الثمن حياتنا ومستقبلنا عندما نمنع هؤلاء الذين يختلفون معنا في الرأي من التعبير عن آرائهم، ولندرك أخيراً أنّنا نحفر قبرنا بأيدينا عندما نرتضي أن يُواجَه الفكرُ بالتكفير، والرأي بالعنف. الأمر الذي تبدو نتائجه الكارثيّة جليّة اليوم في عالمنا العربي، وخصوصاً في سوريا بلدي. حيث تُمارس يوميّاً أبشع أشكال الفاشستية وأقذر أنواع الهمجيّة وعلى السواء باسم الوطنيّة وباسم الاسلام.ولكن متى كانت الوطنيّة قتل المواطنة وتمزيق الوطن؟!ومتى كان الإسلام قتل الروح الإنسانيّة وتدمير القيم الأخلاقية؟!السادة الأعزاء، وعلى الرغم من بشاعة الواقع في بلدي ومأساويته، وعلى الرغم من حجم الدم والخراب الذي يُخلّفه يوميّاً مرضى السلطة وبُناة دولة الخلافة الداعشيّة، إلاّ أنني وبصدق، أشعر بالطمأنينة تجاه المستقبل. فسوريا التي أهدت البشرية أبجديتها الأولى وامتزج ترابها بآلاف السنوات من الحضارة والتي اتسعت دائماً لكل الأديان والمذاهب والتيارات الفكريّة، لن تكون أبداً عبدةً للاستبداد ولا مطيّةً للإرهاب، والسوريون أبناء الحياة قادرون على بناء دولة الكرامة والحريّة والعدالة، وهم جديرون بفهم وتطبيق روح الديانات وجوهرها، ومنها الإسلام، دين الوسطيّة الذي حدّد هدفه الرئيسي الرسول محمد (ص) حين قال: ((إِنـــَّما بُعـِثـــْتُ لأُتـــَمّمَ مَكارِمَ الأَخلاق)). وأكدّ على علاقته البُنيويّة بالحريّة الخليفة “عمر بن الخطاب” (ر)، عندما أطلق صرخته المُزلزلة: ((متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا؟!!))، وأعلن عن قطيعته التامّة والنهائيّة مع ما عدا ذلك، الخليفة “علي بن أبي طاالب” (ر) عندما قال: ((من استبدَّ برأيّه هَلكْ)).إنّ الأخلاق والحريّة والعدل هي جوهر الإسلام الحقيقي، ومَقصَدَهُ، كما هي حال جميع الأديان والقيم الإنسانيّة، وهذا هو الأساس الذي يجب علينا من خلاله إعادة إنتاج موروثنا الثقافي بما يضمن التشاركيّة بين الدين وقيم حقوق الإنسان، لتشكيل منظومة الملاذ الأخلاقي القادرة على حماية استقرار وأمان السوريين، وضمان وحدتهم وتنوّعهم، وضمان العدالة والمساواة بينهم.أيّها السادة: اسمحوا لي أن استذكر معكم اليوم أصدقائي الذين كما قلت دائماً بأنهم أكبر من قدرة الكلمات لأصفهم، وأكثر من مساحة الوقت لأعدّهم. فلا يخلو سجنٌ في سوريا اليوم من أحدهم، ولا توجد مقبرة في سوريا اليوم إلاّ وضمّت رُفاة واحدٍ منهم. وخشيّةٌ من تعقيد الأمور عليهم وعلى ذويهم حفرت أسماؤهم على روحي. فالبعض في سوريا لا يزال يعتقد أنّه بالحديد والنار سينجو، والبعض الآخر خوفه من الديمقراطية أكبر من كرهه للديكتاتورية. أيّها الحمقى توقفوا، فالأفكار لا تموت.أيّها الأصدقاء لطالما فرّقت المذاهب والديكتاتوريّة بين الناس، لكنّ الإيمان يوحدهم، وإلى كل الذين يؤمنون بغدٍ أفضل في سوريا والعالم أجمع، هذه ليست نهاية التاريخ، وإنمّا بداية حقبة تتطّهر فيها الإنسانيّة من الاستبداد والإرهاب.أيّها الأصدقاء لا تفقدوا ايمانكم، فالنصر سيكون حليف هؤلاء الذين يؤمنون به. واسمحوا لي أيضاً أن أخاطب أخوتي أبناء أمّي سوريا، فالجميع اليوم يقومون بلعن الاستبداد والإرهاب وكأنهما حدثٌ طارئ. وكأنّهم لم يقوموا بممارستهما ودعمهما والحفاظ عليهما بشكلٍ سلبي عبر الصمت، أو بشكلٍ فاعل طوال تلك العقود الماضية!
يا أبناء أمّي سوريا:
ألم تشبعكم بما يكفي وليمة أجساد أطفال “الغوطة” الذين تمّ شيّهم بالغازات الكيماوية؟! ألم تشربوا بما يكفي من دماء أطفال “مُجمّع مدارس عكرمة” البريئة؟! ألم تطربوا بما يكفي لآهاتِ وأنّاتِ أطفال “كوباني” الحبيبة؟!
أمّ أننّا بحاجة للمزيد؟!
ألا تستحق حياة طفلٍ واحدٍ التضحية بكل مكاسب ومغانم وأوهام السلطة الأبديّة؟! وهل نَصرُنا لا يتحقّق إلاّ باحتلال وتقسيم وطننا؟!
ألم يحن الوقت بَعدْ لتتوقف هذه الحرب العدميّة؟! ألم يحن الوقت بَعدْ لتأسيس عقدٍ اجتماعي جديد يُحرّر سوريا من الاستبداد ويُطهّر أرضها من الإرهاب، ويُنقذ أطفالنا من مهالك الطائفيّة؟!
ألم يحن الوقت بَعدْ؟!!
مازن درويش سجن عدرا